حول المجلّة الحائطيّة - الفينق
بهذا العدد الأوّل من مجلّتنا الحائطيّة، ندشّن مشروعا ثقافيّا متواضعا عماده مجهود تلاميذنا إنتاجا و إبداعا و تصوّرا، و جمهوره المستهدف كلّ الإطار التربوي بالمؤسّسة و كلّ الزوّار الكرام لمعهدنا، و أهمّ أهدافه تغيير النظرة إلى العمليّة التعليمية، من تعليم يقوم على التلقين و حشو الأدمغة بالمعلومات و صنع القوالب الجاهزة إلى تعليم يقوم على تهيئة العقول المستنيرة و مساعدتها على صقل المواهب و توظيف الطاقات الإبداعيّة الكامنة في ذات كلّ متعلّم، من تعليم يقوم على الحفظ و التطبيق و التقيّد بالمقرّر و المكرّر إلى تعليم يقوم على التفكير و التطوير وفتح الآفاق و البحث الدائم عن الجديد غير المطروق و عن السبيل البكر غير المسلوك...
إنّ كلّ إبداع ينشئه المتعلّم (التلميذ أساسا) أدبيّا كان أو فنيّا إنّما هو عمليّة تحرّر من وضعه كمتلقّ للمعارف و تطوّر في اتّجاه صنع المعرفة و بناء الفكر و الوعي الجماعي، فكلّ تلميذ يكتب قصيدة أو مقالا أو قصّة أو يرسم رسما إنّما يعبّر بذلك عن قيمته الوجوديّة، باعتباره كائنا مفكّرا له تصوّره الخاص للواقع و له رؤيته للوجود و له إسهامه في توجيه الواقع نحو مستقبل يحلم جميع المبدعين أن يكون أفضل و أجمل... فكأنّ كلّ مساهم في الإنتاج الأدبي و الفنّي يقول: أنا أبدع إذن أنا موجود.
لماذا اختيار المجلّة الحائطيّة؟ كان لمعهدنا مجلّة ورقيّة بعنوان " أريج " و صدر منها إلى حدّ الآن ستّة أعداد، كان آخرها في جوان 2012. و هي مجلّة ثقافيّة تربويّة شاملة توثّق لأنشطة المعهد و تنشر إبداعات تلاميذه. و قد انقطعت المجلّة – للأسف- لعدّة أسباب لعلّ أبرزها أنّ منظومتنا التربويّة بشكلها الحالي تدفع التلميذ دفعا نحو الانكباب على الدروس المرتبطة بالامتحانات و بالنتائج الدراسيّة، فصار تعامل التلميذ مع الثقافة و الفكر تعاملا انتقائيّا براغماتيّا، فلا يركّز إلاّ على ما له صلة بالامتحانات و الأعداد، بل صار يوزّع مجهوده على حساب ضوارب كلّ مادّة. و لم يعد التعليم بالنسبة إليه حاجة وجوديّة للمعرفة و بناء الذات بل صار فقط أداة للحصول على شهادة معتبرة تخوّل له فرصا أوفر للارتقاء الاجتماعي... و هكذا فقدنا تدريجيّا زخم الإنتاج الإبداعي الذي يرتفع فوق حسابات الأعداد و الامتحانات و يعبّر عن شواغل الذات في تفاعلها مع واقعها. يضاف إلى هذا السبب الذاتي عامل موضوعيّ يتمثّل في ارتفاع تكاليف الطباعة و صعوبة إيجاد الموارد الماليّة لتغطيتها.
و الخلاصة أنّه في ظلّ شحّ الموارد الإبداعيّة و شحّ الموارد الماديّة فكّرنا في الانطلاق من مجلّة حائطيّة تعتمد الموجود و تأمل أن يؤول الحال إلى منشود أفضل، إذا حرّك هذا المشروع بعض الطاقات الساكنة و حفّز بعض الهمم المتردّدة، و عندها يمكننا التخطيط لمجلّة ورقيّة أو إلكترونيّة أو للإثنين معًا.
لماذا اخترنا هذا العنوان؟ " الفيْنَق " أو الفينكس أو العنقاء هو طائر أسطوري يحترق في النار ومن رماده ينبعث بعد كلّ ألف عام طائر جديد. بذلك صار الفينق رمزا للبعث و التجدّد و مقاومة الفناء. و مجلّتنا التي تغيب كلّ مرّة بضع سنين ثمّ تعود من جديد لهي كطائر الأسطورة ترفض "صفعة العدم" و تقاوم كاللهيب من تحت الرماد متمسّكة بـ " بـإرادة الحياة " و متغنّية بقول الشابي: و من لم يعانقهُ شوقُ الحياةِ تبخّـرَ في جَـوِّهـا و اندثـرْ
دعوة إلى المشاركة و بمناسبة صدور هذا العدد الأوّل ندعو كلّ تلاميذ معهدنا إلى الإسهام الفاعل في إنجاح هذا المشروع عن طريق مدّنا بالاقتراحات و الملاحظات و خاصّة بالإبداعات الأدبيّة و الفكريّة (شعر، قصّة، مقامة، خواطر، دراسات فكريّة، رسوم، كاريكاتور...) في كلّ المجالات الثقافيّة و التربويّة و بكلّ اللغات التي تدرّس في المعهد. لا نشكّ في تفاعلكم الإيجابي، و في انتظار صدور العدد الثاني لكم من أسرة التحرير أجمل التحيّـــات.
ملاحظة: تقدّم الاقتراحات و الإبداعات إلى المشرف على المجلّة الأستاذ محمّد العشّي أو ترسل عبر البريد الإلكتروني لهذا العنوان : med.echi@lpa.tn
الأستاذ محمّد العشّي
Comments
تعليقات